U3F1ZWV6ZTM5ODc4MDMzOTI4ODg2X0ZyZWUyNTE1ODUxMjA5MDI5Ng==

القانون الدولي الانساني


القانون الدولي الانساني


بقلم/ أ. أشرف إبراهيم - المحامي
تنقيح ومراجعة/ حسن أبوالفتوح - المحامي


الأستاذ أشرف إبراهيم‘ محام مقيد بدرجة استئناف بنقابة المحامين المصرية. 

في إطار المتابعة للأحداث الجارية من إندلاع حروب ونزعات مسلحة في مختلف البلدان وبالأخص في منطقة الشرق الاوسط ، فتتطرق إلي الذهن مشاهد ويلات تلك الحروب والنزاعات المسلحة والتي قد يمتد بل إنها قد امتدت بالفعل في أكثر من واقعة إلي إضرار بالمدنيين والتى نتج عنها خسائر فادحة في أرواح مدنيين لا علاقة لهم بالعمليات العسكرية فضلاً عن خسائر مادية تمثلت في تلفيات أو تدمير للمتلكات.
وانطلاقاً من انني أمتهن مهنة المحاماة فأول ما ورد لفكري هو القانون الحاكم لتلك الاحداث، وكيفيه ردع ومعاقبة مرتكبي جرائم ضد الانسانية أو جرائم حرب والذين يتسببوا بافعالهم في ويلات وآلام وأضرار بالغة بالمدنيين وممتلكاتهم، وهل هناك قواعد أو قوانيين تتبع في شأن النزاعات المسلحة أم أن كل شئ مباح؟
بالطبع هناك حاكم لتلك النزاعات وضمانات دولية تقتضي حماية المدنيين والجرحى والمرضى والأشخاص الذين لا يشاركون مباشرة بالعمليات العسكرية، وأيضاً للفرق الطبية وعمال الإغاثة والخدمات الإنسانية، كما إن هذه الضمانات تهدف ايضاً إلى حماية الممتلكات، بل يمتد الأمر إلي نوعية الأسلحة ووسائل وطرق القتال المستخدمة.
كل هذا نجده في القانون الدولي الانساني ، والذي جاء تعريفة بأنه: "مجموعة من القواعد العرفية والقانونية والتي تتألف من مجموعة المعاهدات والاتفاقيات الدولية والتي تتخذ قوتها التنفيذية من إنضمام الدول وتوقيعها على تلك الاتفاقيات والمعاهدات."
بدأت جذور القانون الدولي الانساني منذ القدم فما سميناه اليوم القانوني الدولي الانساني قد بدأ في القرون الأولى بمبادئ وافكار عرفتها الشعوب القديمة في الحروب كما جاءت بها التشريعات السماوية.
ففي عام 1868م نتيجة للتجربة المريرة التي عاشها (هنري دونان)، وهو أول من فاز بجائزة نوبل للسلام، وهو الرجل الذي قادت رؤيته إلى إنشاء حركتي الصليب الاحمر والهلال الاحمر، وذلك لما رآه السيد/ هنري دونان في معركة "سولفرينو" والتي وقعت بمقاطعة لومبارديا بإيطاليا بين القوات النمساوية من جانب وقوات فرنسا وسردينيا من جانب آخر، والتي خلفت خسائر بشرية هائلة من القتلى وشملت أيضاً إهمال جسيم للمرضى والجرحى في ساحة المعركة والذين فقدوا حياتهم نتيجة هذا الإهمال، فبادر السيد/ هنري دونان إلى جانب إربعة من زملائة وقاموا بتشكيل لجنة، والتي عرفت فيما بعد بلجنه الصليب الأحمر، واستطاعوا تنظيم مؤتمر دبلوماسي شاركت فيه 16 دولة، والذي نتج عنه اتفاقية جنيف لتحسين حال الجرحى والتي بمقتضاها تقدم الاسعافات الإولية والرعاية الطيبة للمحاربين والجرحي والمرضى دون تمييز، وكذا تمييز الافراد المقدمين لهذه الخدمة بشارة الصليب الأحمر، وكانت هذه الإتفاقية هى أولى الأعمدة التي تلاها تدوين عدة اتفاقيات دولية لبناء القانوني الدولي الانساني، وأهم هذه الاتفاقيات هي اتفاقيات جينيف الأربعة عام 1949م والبروتوكولان الإضافيان عام 1977م.

وجدير بالذكر أن القانون الدولي الإنساني وإن كان أهم اتفاقياته هي اتفاقيات جينيف الأربعة والخاصة بضحايا النزاعات المسلحة إلا أنها ليست هي القوام الوحيد فيما يخص ذلك، بل نجد هذه الاتفاقية والبروتوكولان عام 1977م وكذا نجد الملحق الثالث عام 2005م وأيضاً اتفاقيه حقوق الطفل رقم 260 لعام 1990م والبروتوكول الاخيتاري لاتفاقيه حقوق الطفل بشأن اشتراك الاطفال في المنازعات المسلحة عام 2000م. 

وبشأن أساليب الحرب ووسائلها والأسلحة نجد:
بروتوكول عام 1925م: بشأن حظر استعمال الغازات الخانقة والسامة أو ما شابهها والسوائل الجرثومية في الحرب.
اتفاقية عام 1972م: والتي جاءت بحظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة البيلوجية وتدمير تلك الأسلحة. 
البروتوكول الأول عام 1980م: عن الأسلحة التقليدية وبشأن الشظايا التي لا يمكن الكشف عنها.
لحقة البروتوكول الثاني لعام 1980م: بشأن حظر وتقييد استعمال الاسلحة المحرقة.
اتفاقيه عام 1993م: بشأن حظر استحداث واستعمال الأسلحة الكيميائية وتدمير هذه الأسلحة.
ثم لحقها اتفاقيه عام 1996م: بشأن حظر وتقييد استعمال اسلحة تقليدية معينه يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو
عشوائية الأثر.
واتفاقيه عام 1997مبشأن حظر واستعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدمير تلك الألغام.
والبروتوكول الخامس لعام 2003م: الملحق باتفاقيه حظر او تقييد استعمال اسلحة تقليدية معينة.
واتفاقيه أخري عام 2008 م: بشأن الذخائر العنقودية.

ولما كانت هيبة القوانين وقوتها تكمن في جانب الردع المستمد منها لمخالفها، فهو ما أدي إلى توجة المجتمع الدولي منذ الحرب العالمية الثانية نحو وضع نظام قضائي دولي مكمل للنظم الداخلية من أجل مقاضاة من يقوم بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، فكانت اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الانسانية عام 1968م هي باكورة هذا التوجة، ثم وفي غضون عامي 1993 – 1994م أنشأت محكمتين خاصتين للمعاقبة على الانتهاكات الجسيمة في حق القانون الدولي الانساني والتى ارتكبت في يوغسلافيا السابقة وروندا على التوالي، ثم لحقها سلسلة من المفاوضات في عام 1994م لإنشاء محكمة جنائية دولية دائمة تمارس اختصاصها بالنسبة للجرائم التي ترتكب في حق الإنسانية انتهاكاً للقانون الدولي الانساني، وكان القرار المنبثق عن المجتمع الدولي وهو "نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية" والذي بموجبة تقرر إنشاء المحكمة الجنائية الدولية عام 1998م بمثابة محاولة أخرى جديره بالتقدير لتوفير أداة لملاحقة القضايا الأشد خطورة وتكون موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره، من جرائم إبادة جماعية أو جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية بصفة عامة.

وقد ورد في "نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية
تعريف الجرائم المختصة المحكمة الجنائية الدولية بنظرها:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فجاء بتعريف لجرائم الابادة الجماعية في "المادة السادسة" بأنها:       
"أي فعل من الافعال التي ترتكب بقصد اهلاك جماعة قومية او إثنية او عرفية أو دينية بصفتها هذه إهلاكاً كلياً أو جزئياً سواء بقتل الجماعة أو إلحاق ضرر جسدي أو عقلي بأفراد الجماعة، أو إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي الكلي أو الجزئي أو فرض تدابير تستهدف منع الانجاب داخل الجماعة أو نقل أطفال الجماعة عنوه إلى جماعة إخرى."  

وجاء في "المادة السابعة " تعريف "جرائم ضد الإنسانية أنها:           
"الافعال التالية متى ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجة ضد أي مجموعة من السكان المدنيين من قتل عمد أو إبادة أو استرقاق أو إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان أو السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنيه بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي أو التعذيب أو الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري أو التعقيم القسري، أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي أو الاضطهاد أو جريمة الفصل العنصري وغيرها من أشكال الجرائم ضد الانسانية."

وجاء أيضاً في المادة الثامنة تعريف جرائم الحرب، والتي شملت أيضاً مجموعة واسعة من جرائم القتل العمد او التعذيب او الحاق تدمير واسع بالممتلكات والاستيلاء عليها وجاءت بتعريف مفسر وشارح لما سبق.

والحق أن "نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية "والذي أخضع كثيراً من جرائم ضد الإنسانية بصفة عامة والتي قد ارتكبت مسبقاً أو مازال منها ما قد يرتكب بالفعل في النزاعات المسلحة لإختصاص المحكمة الجنائية الدولية قد جاء شاملاً وملماً بكثير من صور هذه الجرائم وشارحاً ومفسراً لها وإن كان لا يسعنا الموضع للاستفاضة فيها إلا إنه يمكن الرجوع إليها لمعرفة تفصيلية أكثر بالجرائم التي تندرج في هذا النطاق.

أخيراً وباستقراء هذه الاتفاقيات والبروتوكولات وغيرها من القوانين والنظم المكملة نجد أن بالفعل هناك كثير من الجرائم التي تمت في النزاعات المسلحة سواء في الحاضر أو الماضي القريب والتي تمت في مختلف البلدان وبالأخص في النزاعات داخل منطقة الشرق الأوسط، لكننا لم نجد محاكمات لأشخاص مرتكبيها وإن كنا نجد استهجان واستنفار دولي لما يحدث من جرائم ضد الإنسانية، إلا أننا نجد في أغلب الأحيان الأخرى صمت المصالح.
وبالرغم من أنه بات التفكير في عالم بشري يخلو من الحرب ضرباً من الخيال الذي يراود الفكر، إلا أنه يمكننا التوازن ببث قدر من الإنسانية والشفقة والرحمة من ويلات الحروب وأهوالها تطبيقاً لما جاء بالتشريعات السماوية ولما يلزم به الضمير الإنساني.

المراجع
§         معاهدات القانون الدولي الانساني والقانون الدولي العرفي (المعاهدات والدول الاعضاء)
§         نص نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية (قسم الخدمات الاستشارية للقانون الدولي الانساني)
§         دليل تدريب القضاة على القانون الدولي الانساني على احكام القانون الدولي الانساني – المستشار الدكتور شريف عتلم،
المستشار خالد غازي – اصدار اللجنة الدولية للصليب الاحمر.

للتواصل مع الأستاذ/ أشرف إبراهيم المحامي:
    Ashrafhalimlawyer@gmail.com   


ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق