U3F1ZWV6ZTM5ODc4MDMzOTI4ODg2X0ZyZWUyNTE1ODUxMjA5MDI5Ng==

الفقه القانوني الدكتور عبد الرزاق السنهوري، مع ضباط ثورة يوليو


الفقه القانوني الدكتور عبد الرزاق السنهوري، مع ضباط ثورة يوليو.



بما أنني مهتم بالتوثيق لحياة رجال القانون في مصر فسأعرض في عدة منشورات لصور مع التعليق عليها، وذلك هو المنشور الثاني، والصور تتعلق بإمام الفقه القانوني الدكتور عبد الرزاق السنهوري، مع ضباط ثورة يوليو.

بقلم معالي الأستاذ الدكتور/ #وائل_أنور_بندق

#ملحوظة: المعلومات هنا مختصرة، ولمزيد من التفاصيل يراجع كتابنا " #الأعمال_النادرة_لعبد_الرزاق_السنهوري"، في خمسة أجزاء، يصدر عن مكتبة الوفاء القانونية.

الفقه القانوني الدكتور عبد الرزاق السنهوري، مع ضباط ثورة يوليو.

في عام 1952 قامت ثورة 23 يوليو، وكان من الطبيعي أن تتلاقي أحلام الضباط الأحرار للوطن في البداية، مع كل الأحلام والطموحات التي نادى بها السنهوري طوال حياته. وكان من الطبيعي أيضاً أن يلجأ إليه الضباط الأحرار، ليس باعتباره هو رئيس مجلس الدولة فحسب، وإنما أيضاً باعتباره الفقيه القانوني الكبير.
لقد قام السنهوري وسليمان حافظ وكيل مجلس الدولة، في هذه الفترة، بجهد قانوني كبير، في خدمة الوطن. والمؤسف أن جمال عبد الناصر فيما بعد ذلك، أطاح بهما عندما أراد أن ينحرف عن المسار القانوني السليم.
وكانت أول المشكلات القانونية هي صياغة وثيقة تنازل الملك فاروق عن العرش، والأحداث كما يرويها سليمان حافظ في مذكراته كالتالي:
ولما عاد محمد نجيب استدعاني لغرفته، حيث فاجأني بسؤال، أدركت منه ما سوف يتمخض عنه اليوم من أحداث جسام. قال: أعندكم في مجلس الدولة عبدالحميد بدوي؟ قلت بل خير منه. قال: من هو ؟ قلت : الدكتور السنهوري، قال : أريد إلى جانبي معكما ثالث، فهل ترى أن يكون الدكتور وحيد رأفت ؟ قلت: بل الأستاذ عبد محرم. قال: أعدوا لي وثيقة يتنازل الملك فاروق عن العرش لابنه أحمد فؤاد على أن تكون معدة للتوقيع ظهر اليوم .
اتصلت تليفونياً بالأستاذ عبده محرم في مصيفه بالإسكندرية، فقيل لي انه في القاهرة، وأسرعت إلى الدكتور السنهوري بمنزله فأبلغته الأمر، و أخذ في ارتداء ملابسه للتوجه معي إلى بولكلي، بينما كنت وأنا في الانتظار ألقى نظرة عاجلة على نسخة من الدستور كان قد وافاني بها. وفي دقائق معدودات كنا قد أعددنا مسودة وثيقة نزول فاروق عن العرش، بعد أن اتفق رأينا على أن تكون في صيغة أمر ملكي يستلهم ديباجته من مقدمة الدستور، وفيها سبب النزول إلى ما تقتضيه مصلحة البلاد.
وانطلقنا إلى قصر الحكومة حيث عرضناها على الرئيس على ماهر فأقرها، ثم نسخت على الورق المخصص لذلك, وقبيل الظهر وصل اللواء محمد نجيب، وفي صحبته قائد الجناح جمال سالم والقائمقام أنور السادات، فاطلعوا على الوثيقة، وطلب جمال إضافة عبارة تفيد أن النزول عن العرش كان ايضاً استجابة لرغبة الامة، فعارضت في هذه الإضافة لأني كنت أرى ألا يلابس النزول أي مظهر يشعر بأنه لم يكن اختياريا، وذلك احتياطاً للمستقبل وما قد ينطوي عليه من تطورات .
ولكن الدكتور السنهوري انضم إلى جمال قائلاً : لا بأس من هذه الإضافة، لأن العبارة المراد إضافتها لا تفيد بذاتها أن الملك فاروق كان مكرهاً, وقد أضيفت تلك العبارة إلى الوثيقة بخط كاتبها".
تلك كانت المشكلة القانونية الأولى، وانتهت بأن حمل سليمان حافظ وثيقة التنازل وذهب بها إلى الملك فاروق ووقعها الملك.
ومن المشكلات القانونية التي ثارت أيضاً ، مشكلة الوصاية على العرش، وهي قضية دستورية، إذ كان دستور سنة 1923 ينص على ألا يتولى أوصياء العرش عملهم إلا بعد أن يؤدوا أمام مجلس النواب والشيوخ مجتمعين اليمين قبل مباشرة سلطتهم الدستورية .
وتحدد المادة 52 من الدستور أنه عند وفاة الملك يجتمع البرلمان بحكم القانون خلال عشرة أيام من الوفاة، فإذا كان المجلس منحلاً، وكان الموعد المعين لاجتماعه بعد انتخاب أعضائه يجاوز اليوم العاشر وجب أن يعود المجلس المنحل للعمل حتى يجتمع المجلس الذي يخلقه.
وتنص المادة 55 على أن يتولى مجلس الوزراء بصفة مؤقته سلطات الملك الدستورية حتى يؤدي أوصياء العرش اليمين أمام البرلمان .
وكان مفروضاً أن يدعى البرلمان الوفدي للإنعقاد طبقا للدستور، وبناء على فتوى الدكتور وحيد رأفت لرئيس الوزراء علي ماهر باشا.
وفي أول أغسطس سنة 1952 أصدر قسم الراي مجتمعاً قراراً لم يوافق عليه واحد فقط – هو الدكتور وحيد رأفت – بعدم جواز دعوة مجلس النواب "المنحل" في حالة نزول الملك عن العرش وأنه يجب إجراء انتخابات جديدة. ولما كانت الانتخابات تأخذ وقتاً غير قصير، فإن الحل الوحيد هو إيجاد نظام للوصاية المؤقتة، بإضافة مادة للأمر الملكي المشار إليه، تنص على أنه في حالة نزول الملك عن العرش وانتقال العرش إلى خلف قاصر، يجوز لمجلس الوزراء إذا كان مجلس النواب منحلاً، أن يؤلف هيئة للعرش من ثلاثة، تتولي بعد حلف اليمين، أمام مجلس الوزراء سلطة الملك، إلى أن تتولاها هيئة الوصاية الدائمة. ولم يكن اللواء محمد نجيب من هذا الرأي ولكنه خضع للأغلبية كعادته .
وتم تعيين مجلس الوصاية المؤقت، من الأمير محمد عبدالمنعم، وبهي الدين بركات باشا، والقائمقام محمد رشاد مهنا الذي عين وزيراً للمواصلات بصفة شكلية ليستحق عضوية مجلس الوصاية دستورياً.
وقد وصل الأمر بالثقة بالسنهوري وقتها أنه كان سيعين رئيساً للوزراء، بعد علي ماهر. والرواية كما يرويها صلاح الشاهد كبير أمناء رئاسة الجمهورية في عصر عبد الناصر كالتالي:
" ورشح الأستاذ سليمان حافظ الدكتور عبدالرزاق السنهوري، ووافق محمد نجيب دون إبطاء على هذا الترشح بوصفه سنداً للقانون والديمقراطية، ولكن قائد الجناح علي صبري الذي كان حاضراً هذا الإجتماع، باعتباره سكرتيراً لمجموعة الطيران همس شيئا في أذن قائد الجناح جمال سالم.
ولم يلبث جمال سالم أن قال مندفعاً بصوت عال : "إنني أعترض على هذا الترشيح".
وقال نجيب: " لماذا الاعتراض ونحن جميعاً نجل السنهوري، ونعرف قدره ونعترف بجدارته ونثق في إخلاصه للحركة ..؟"
وقال جمال سالم :" إنني أعرف كل ذلك، فقد أيد السنهوري قانون الإصلاح الزراعي، وأنا أحترم الدكتور السنهوري وأثق في إخلاصه للحركة".
فسأله نجيب :"ولكن ماذا ".
فقال جمال سالم " " إنني أتشفع الصراحة والاخلاص في عرض السبب الذي يحملني بالرغم من ذلك علي العدول عن الترشيح .لقد عرفت أن الامريكيين سوف يعترضون على الترشيح، لأن بعض الصحف الغربية نسبت إليه في أواخر عهد الملك السابق، وأثناء وزارة الوفد أن له ميولاً شيوعية أو يسارية .
وذهل محمد نجيب .. و قال مستفسراً:" كيف ذلك؟"
فانفجر جمال سالم بصوت غير عادي :"إنني رغم يقيني ببطلان هذه التهمة، إلا أن مصلحة الحركة، وقد أخذت بعض الصحف في الخارج تتهمنا بالشيوعية، توجب تفادي كل ما من شأنه أن يستغله الأعداء" .
وران على المجلس الصمت .ولم يفقد السنهوري باشا رباطة الجاش، فأجاب في صوت هادئ يفيض ثقة :"إنني أقر وجهة نظر جمال سالم، وأعرف أن الذريعة التي استندت إليها الصحف الغربية في اتهامي بالشيوعية، مرجعها إلي أنني وقعت وزملائي من مستشاري محكمة القضاء الاداري بمجلس الدولة نداء للسلام ورد إلينا بالبريد من الخارج، كما ورد مثله لسائر الهيئات في ذلك الحين عام 1950، ولا يخرج مضمون هذا النداء عن الدعوة لإقرار السلام العالمي، بمنع أساليب الحروب ومحاصرتها .وإنني أطلب الانتقال للحديث عن المرشح الاخر".
وعندما قامت أزمة مارس الشهيرة بين محمد نجيب وجمال عبد الناصر، والتي كانت في حقيقتها هي أزمة الديمقراطية في مصر، وكان السنهوري، ومجلس الدولة في جانب الديمقراطية، ومن المطالبين بعودة الحياة المدنية، قام جمال عبد الناصر بتدبير مظاهرات خرجت تطوف بشوارع القاهرة وتنادي بسقوط الحرية والديمقراطية وسقوط العلم والمتعلمين، واقتحموا مجلس الدولة ، وتم الاعتداء الوحشي على الدكتور السنهوري. وانتهى الأمر بعزل السنهوري.
نهاية رحلة العمر
بعد عزل السنهوري تفرغ للكتابة القانونية، وكانت هذه الفترة هي الفترة الذهبية في حياته، فأنجز فيها الوسيط في شرح القانون المدني، وأنجز الجزء الأول من الوجيز، وأنجز مصادر الحق في الفقه الإسلامي، وكان معتزلاً للحياة العامة، عدا محاضراته في معهد الدراسات العربية، واللقاءات التي كان يعقدها مع أصدقائه بالإسكندرية والقاهرة.
وتوفاه الله تعالى عقب انتهائه من كتابة الجزء العاشر والأخير من الوسيط، وكان آخر ماكتبه في مذكراته " رب يسر لي عمل الخير، واجعل حياتي نموذجا صالحا، لمن يحب بلده الأصغر، وبلده الأكبر ويحب الناس جميعا".
وكانت وفاته بتاريخ 21/7/1971، وبعدها في صفحات النعي بالأهرام كتب العلامة سليمان مرقص نعياً بليغاً قال فيه " أستاذنا السنهوري- خلفت لنا كنزاً من العلم لا يبلى، ومثالاً من الخلق يحتذى، عهد علينا أن نحفظ الكنز وننميه، وأن نسير على المثال ونحتذيه، فانعم بجنة الخلد".

الفقه القانوني الدكتور عبد الرزاق السنهوري، مع ضباط ثورة يوليو.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق